سورة القمر - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القمر)


        


{كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (18) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (20) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (21) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (22) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (24) أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25)}
{وَنُذُرِ} وإنذاري لهم بالعذاب قبل نزوله. أو إنذار أتى في تعذيبهم لمن بعدهم {فِى يَوْمِ نَحْسٍ} في يوم شؤم. وقرئ: {في يوم نحس} كقوله: {فِى أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ} [فصلت: 16]. {مُّسْتَمِرٌّ} قد استمر عليهم ودام حتى أهلكهم. أو استمر عليهم جميعاً كبيرهم وصغيرهم، حتى لم يبق منهم نسمة، وكان في أربعاء في آخر الشهر لا تدور. ويجوز أن يريد بالمستمر: الشديد المرارة والبشاعة {تَنزِعُ الناس} تقلعهم عن أماكنهم، وكانوا يصطفون آخذين أيديهم بأيدي بعض. ويتدخلون في الشعاب، ويحفرون الحفر فيندسون فيها فتنزعهم وتكبهم وتدق رقابهم {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ} يعني أنهم كانوا يتساقطون على الأرض أمواتاً وهم جثث طوال عظام، كأنهم أعجاز نخل وهي أصولهابلا فروع، منقعر: منقلع: عن مغارسه. وقيل: شبهوا بأعجاز النخل، لأنّ الريح كانت تقطع رؤوسهم فتبقى أجساداً بلا رؤوس. وذكر صفة {نَخْلٍ} على اللفظ، ولو حملها على المعنى لأنث، كما قال: {أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة: 7].


{سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26) إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (28) فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (29) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (30) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (32)}
{أَبَشَراً مّنَّا واحدا} نصب بفعل مضمر يفسره {نَّتَّبِعُهُ} وقرئ: {أبشر منا واحد} على الابتداء. ونتبعه خبره، والأوّل أوجه للاستفهام. كان يقول: إن لم تتبعوني كنتم في ضلال عن الحق، وسعر: ونيران، جمع سعير، فعكسوا عليه فقالوا: إن اتبعناك كنا إذن كما تقول. وقيل: الضلال: الخطأ والبعد عن الصواب. والسعر: الجنون. يقال: ناقة مسعورة. قال:
كَأَنَّ بِهَا سُعْرًا إذَا الْعِيسُ هَزَّهَا *** ذَمِيلٌ وَإِرْخَاءٌ مِنَ السَّيْرِ مُتْعِبُ
فإن قلت: كيف أنكروا أن يتبعوا بشراً منهم واحداً؟ قلت: قالوا أبشراً: إنكاراً لأن يتبعوا مثلهم في الجنسية، وطلبوا أن يكون من جنس أعلى من جنس البشر وهم الملائكة، وقالوا: {مِّنَّا} لأنه إذا كان منهم كانت المماثلة أقوى، وقالوا: {واحدا} إنكاراً لأن تتبع الأمّة رجلاً واحداً. أو أرادوا واحداً من أفنائهم ليس بأشرفهم وأفضلهم، ويدل عليه قولهم: {أَءُلْقِىَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا} أي أنزل عليه الوحي من بيننا وفينا من هو أحق منه بالاختيار للنبوّة {أَشِرٌ} بطر متكبر، حمله بطره وشطارته وطلبه التعظم علينا على ادعاء ذلك {سَيَعْلَمُونَ غَداً} عند نزول العذاب بهم أو يوم القيامة {مَّنِ الكذاب الاشر} أصالح أم من كذبه. وقرئ: {ستعلمون} بالتاء على حكاية ما قال لهم صالح مجيباً لهم. أو هو كلام الله تعالى على سبيل الالتفات. وقرئ: {الأشر} بضم الشين، كقولهم حدث وحدث. وحذر وحذر، وأخوات لها. وقرئ: {الأشر} وهو الأبلغ في الشرارة. والأخير والأشر: أصل قولهم: هو خير منه وشر منه، وهو أصل مرفوض، وقد حكى ابن الأنباري قول العرب: هو أخير وأشر، وما أخيره وما أشره {مُرْسِلُواْ الناقة} باعثوها ومخرجوها من الهضبة كما سألوا {فِتْنَةً لَّهُمْ} امتحاناً لهم وابتلاء {فارتقبهم} فانتظرهم وتبصر ما هم صانعون {واصطبر} على أذاهم ولا تعجل حتى يأتيك أمري {قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} مقسوم بينهم: لها شرب يوم ولهم شرب يوم. وإنما قال: بينهم، تغليباً للعقلاء {محتضر} محضور لهم أو للناقة. وقيل: يحضرون الماء في نوبتهم واللبن في نوبتها {صاحبهم} قدار بن سالف أحيمر ثمود {فتعاطى} فاجترأ على تعاطي الأمر العظيم غير مكترث له، فأحدث العقر بالناقة.
وقيل فتعاطى الناقة فعقرها، أو فتعاطى السيف {صَيْحَةً واحدة} صيحة جبريل. والهشيم؛ الشجر اليابس المتهشم المتكسر {والمحتظر} الذي يعمل الحظيرة وما يحتظر به ييبس بطول الزمان وتتوطؤه البهائم فيتحطم ويتهشم.
وقرأ الحسن بفتح الظاء وهو موضع الاحتظار، أي {الحظيرة}.


{كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آَلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (34) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (35) وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ (36) وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (37) وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ (38) فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (39) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (40)}
{حاصبا} ريحا تحصبهم بالحجارة، أي: ترميهم {بِسَحَرٍ} بقطع من الليل، وهو السدس الأخير منه. وقيل: هما سحران، فالسحر الأعلى قبل انصداع الفجر، والآخر عند انصداعه، وأنشد:
مَرَّتْ بِأَعْلَى السَّحَرَيْنِ تَذْأَلُ ***
وصرف لأنه نكرة. ويقال: لقيته سحر أذا لقيته في سحر يومه {نِّعْمَةًَ} إنعاماً، مفعول له {مَن شَكَرَ} نعمة الله بإيمانه وطاعته {وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ} لوط عليه السلام {بَطْشَتَنَا} أخذتنا بالعذاب {فَتَمَارَوْاْ} فكذبوا {بالنذر} متشاكين {فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ} فمسحناها وجعلناها كسائر الوجه لا يرى لها شق. روى أنهم لما عالجوا باب لوط عليه السلام ليدخلوا قالت الملائكة خلهم يدخلوا، {إِنَّا رُسُلُ رَبّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ} [هود: 81] فصفقهم جبريل عليه السلام بجناحه صفقة فتركهم يتردّدون لا يهتدون إلى الباب حتى أخرجهم لوط {فَذُوقُواْ} فقلت لهم: ذوقوا على ألسنة الملائكة {بُكْرَةً} أوّل النهار وباكره، كقوله: (مشرقين)، و(مصبحين).
وقرأ زيد بن علي رضي الله عنهما: {بكرة}، غير منصرفة، وتقول: أتيته بكرة وغدوة بالتنوين. إذا أردت التنكير، وبغيره إذا عرّفت وقصدت بكرة نهارك وغدوته {عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ} ثابت قد استقرّ عليهم إلى أن يفضى بهم إلى عذاب الآخرة.
فإن قلت: ما فائدة تكرير قوله {فَذُوقُواْ عَذَابِى وَنُذُرِ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرءان لِلذّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}؟ قلت: فائدته أن يجدّدوا عند استماع كل نبإ من أنباء الأوّلين ادكاراً واتعاظاً، وأن يستأفنوا تنبهاً واستيقاظاً، إذا سمعوا الحث على ذلك والبعث عليه، وأن يقرع لهم العصا مرات، يقعقع لهم الشن تارات؛ لئلا يغلبهم السهو ولا تستولى عليهم الغفلة، وهكذا حكم التكرير، كقوله: {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} [الرحمن: 13] عند كل نعمة عدّها في سورة الرحمن، وقوله: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} [المرسلات: 15] عند كل آية أوردها في سورة والمرسلات، وكذلك تكرير الأنباء والقصص في أنفسها لتكون تلك العبر حاضرة للقلوب. مصورة للأذهان، مذكورة غير منسية في كل أوان.

1 | 2 | 3 | 4